يصاب الكثير من الأشخاص بارتجاع المريء الخفيف، أو ما يطلق عليه الارتداد المعدي المريئي‘ إلا أنه يزول سريعاً عند تعديل بعض العادات الغذائية الخاطئة. يعد ارتجاع المريء في تلك الحالة عرضاً وليس مرضاً، أما في حال الإصابة لفترات طويلة يتم تشخيص الحالة على أنها مرضاً صريحاً يحتاج إلى ضرورة التدخل الطبي. تتراوح شدة المرض وتختلف من شخص لآخر، لذلك يقوم الطبيب باختيار العلاج المناسب لكل حالة على حدى ولا تعمم طريقة واحدة لعلاج كل حالات ارتجاع المريء. لذلك سنناقش في ذلك المقال علاج ارتجاع المريء.
ما هو ارتجاع المريء؟
يقصد بـ ارتجاع المرئ انتقال الحمض المعدي من داخل المعدة إلى المريء مرورا بالعضلة العاصرة أعلى المعدة مخالفاً ،لمسار الطعام الطبيعي، ويتسبب ذلك في التهاب وتآكل لخلايا وأنسجة المرىء بمرور الوقت.
أسباب ارتجاع المريء
توجد عدة عوامل يمكن أن تتسبب في ارتجاع المرئ، تشمل تلك الأسباب ما يلي:
١. فتق الحجاب الحاجز
يحدث فتق الحجاب الحاجز عندما يندفع الجزء العلوي من المعدة إلى أعلى عبر الفتحة الموجودة في الحجاب الحاجز حيث يمر المريء، مما يتسبب في حدوث ضغط بجوار المريء، مما يؤدي إلى احتجاز الحمض. كما أنه يحرك العضلة العاصرة المريئية السفلية فوق الحجاب الحاجز، حيث تفقد قدرتها على إحكام الغلق لمنع ارتجاع محتويات المعدة إلى الأعلى نحو المريء. يعد فتق الحجاب الحاجز شائعاً جدًا، خاصة مع تقدم السن. عادة ما تحدث هذه الأعراض تدريجيًا، ومن الممكن أيضاً أن تتفاقم تدريجيًا.
٢. الحمل
يعد الحمل من أحد أسباب حدوث ارتجاع المرىء، حيث يضغط الرحم المتمدد بسبب كبر حجم الجنين علي المعدة من الأسفل خاصة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، مما يؤدي إلى حدوث ضعف في العضلة العاصرة للصمام بين المعدة والمريء، بل ويرتخي هذا الصمام أيضاً نتيجة زيادة هرمونات الحمل مثل البروجيسترون والاستروجين والريلاكسين، مما يؤدي إلى فقدان الصمام لوظيفته الأساسية ومنع محتويات المعدة من الرجوع إلى المريء.
٣. التدخين
يسبب دخان التبغ ارتخاء صمام المريء بشكل مباشر، و يعاني المدخنون من السعال الدائم بسبب التهاب الشعب الهوائية وكثرة المخاط مما يضعف عضلات الحجاب الحاجز، ويعرض المريض لفتق الحجاب الحاجز. يعد ذلك من أهم أسباب حدوث ارتجاع المرىء ، ويبطئ التدخين بدوره من عملية الهضم مسبباً زيادة في إفراز حمض المعدة نتيجة إلى وجود الطعام بها لفترة أطول.
٤. السمنة
يسبب تراكم الدهون حول الأحشاء الداخلية والبطن ضغطاً كبيراً على المعدة، مما يزيد من تفاقم مشكلة الارتجاع، بل وتعمل الدهون أيضاًعلي زيادة هرمون الاستروجين بالجسم. تجدر الإشارة إلى دور هرمون الاستروجين الكبير في ارتخاء الصمام بين المريء والمعدة لفترات طويلة، مما يساهم في زيادة ارتجاع محتويات المعدة إلى أعلى نحو المريء
٥. مسكنات الألم
تمنع بعض مسكنات الألم تكوين الطبقة التي تحمي جدار الجهاز الهضمي وتبطينه من الداخل حتى لا يتأثر بوجود حمض المعدة، و مع كثرة الاستخدام لتلك المسكنات يحدث تآكل تدريجي لهذه الطبقة، مما يترتب عليه حدوث التهاب في جدار المريء والمعدة .
٦. كثرة الادوية
توجد بعض الأدوية التي تزيد من خطر حدوث ارتجاع المرئ، من أشهر تلك الأدوية: المسببة
- المسكنات مثل الأسبرين والايبوبروفين.
- الثيوفيلين في علاج مشكلات الجهاز التنفسي المزمنة.
- مضادات الاكتئاب.
- المهدئات والمنومات مثل بنزوديازيبين.
- بعض أدوية علاج ضغط الدم المرتفع، خاصة حاصرات الكالسيوم.
- بعض الأدوية المحتوية على هرمونات لعلاج انقطاع الدورة الشهرية.
أعراض ارتجاع المرىء
يظهر الارتجاع في بدايته في صورة إحساس بالحرقة في منتصف الصدر والحلق، والشعور بالامتلاء ايضاً وذلك بعد تناول وجبة كبيرة، أو النوم مباشرة بعد تناول الطعام، مما يتسبب في التهاب المريء نتيجة ارتجاع حمض المعدة
توجد بعض الأعراض الشائعة والمميزة لارتجاع المرئ، تشمل تلك الأعراض ما يلي:
- التهاب الحلق.
- طعم حمضي بالفم.
- تغير الصوت.
- السعال وصعوبة التنفس.
- تغير في رائحة الفم.
- غثيان وقيء.
الفرق بين الحموضة وارتجاع المرىء
يمكننا التفرقة بين الحموضة العادية وارتجاع المريء عن طريق تحديد عدد مرات الشكوى، ومدى تكرارها، ومدى استمراريتها.
يعتبر تكرار الإحساس بحرقة المعدة مرتين في الأسبوع لمدة تصل إلى عدة أسابيع هو تأكيد الإصابة بارتجاع المرىء.
مضاعفات ارتجاع المرىء
لا يعد تأثير ارتجاع المرئ خطيراً في البداية، ولكن مع استمراره دون علاج يمكن أن يتطور إلى بعض المشكلات الأخرى، على سبيل المثال:
١.التهاب المريء Esophagitis:
يعد التهاب المرئ من أكثر مضاعفات ارتجاع المريء شيوعاً، حيث يحدث التهاب المريء نتيجة إلى حدوث تهيج أو تورم في بطانة المريء، نتيجة ارتجاع حمض المعدة الشديد أو المزمن. تشمل أعراض التهاب المريء ما يلي:
- وجود ألم أثناء البلع.
- صعوبة في البلع.
- ظهور بحة في الصوت.
- التهاب الحلق.
- حرقة شديدة في المعدة وآلام في الصدر.
٢.تقرحات المريء Esophageal Ulcer:
قرحة المريء هي أحد أنواع القرحة الهضمية التي تحدث بسبب تلف بطانة المريء نتيجة إلى ارتجاع حمض المعدة الشديد، تشمل أعراض قرحة المريء ما يلي:
- فقدان الشهية.
- فقدان الوزن الملحوظ.
- ألم شديد في البلع.
- الشعور بألم حارق في منتصف الصدر.
- براز داكن اللون يتخلله دماً.
- قئ داكن اللون يتخلله دماً.
٣.تضيق المريء Esophageal Stricture:
يتسبب إهمال الارتجاع المريئي إلى حدوث تضيق في المريء، وذلك نتيجة إلى:
- تندب المريء: يحدث تندب المريء نتيجة إلى نمو غير طبيعي في أنسجة المريء مما ينتج عنه تضيق المريء.
- ترسب الكولاجين: يمكن أن يترسب الكولاجين على أنسجة المريء خلال عملية تعافي المريء الذاتي من التهاب المريء التقرحي، مع مرور الوقت يسبب ترسب الكولاجين هذا تضيق المريء.
تشمل أعراض تضيق المريء ما يلي:
- صعوبة وألم شديد في البلع.
- فقدان الشهية، وسوء التغذية نتيجة إلى صعوبة البلع.
- فقدان الوزن.
- ضيق التنفس.
- انحصار الأطعمة الصلبة داخل المريء، مما يعرض المريض إلى الاختناق.
٤.مريء باريت Barrettُ s Esophagus:
يعد مرئ باريت من مضاعفات ارتجاع المريء المنتشرة في الرجال أكثر من النساء. يعرف مريء باريت بأنه حالة يحدث فيها استبدال الخلايا الحرشفية المبطنة للمريء السفلي بخلايا الغدة الشبيهة بالخلايا التي تبطن المعدة، تحدث تلك الحالة نتيجة كثرة ارتجاع حمض المعدة إلى المريء. تعد الإصابة بمريء باريت عامل خطر أساسي للإصابة بسرطان المريء. لا توجد أعراض مميزة لمريء باريت، لكن يعاني مريض مريء باريت من نفس أعراض ارتجاع المريء التي تشمل:
- صعوبة، وألم في البلع.
- ضيق التنفس.
- فقدان الشهية، مما يترتب عليه فقدان الوزن.
- عدم القدرة على بلع الأطعمة الصلبة.
٥.ظهور خلايا غير طبيعية في المريء قد تصبح سرطانية:
يزداد خطر الإصابة بسرطان المريء خاصة في حالة مريء باريت، وخاصة الإصابة بسرطان المريء الغدي الذي يؤثر على المريء السفلي، ويعد من أكثر أنواع سرطان المريء شيوعاً. تتمثل أعراض سرطان المريء الغدي في التالي:
- صعوبة وألم في البلع.
- سعال.
- الشعور بألم شديد في الصدر.
- المعاناة من عسر الهضم الشديد.
- فقدان الوزن الملحوظ.
يمكن أن توجد بعض المضاعفات الأخرى لارتجاع المريء، على سبيل المثال:
الالتهاب الرئوي التنفسي Aspiration Pneumonia:
يصاب المريض بالالتهاب الرئوي التنفسي نتيجة كثرة استنشاق حمض المعدة الواصل إلى الحلق، تتمثل أعراضه في التالي:
- السعال الشديد.
- ضيق النفس.
- ارتفاع درجة الحرارة.
الإصابة بالربو:
علاقة الربو بارتجاع المريء يمكن أن يقال أنها علاقة طردية، حيث يؤدي ارتجاع حمض المعدة إلى المريء إلى تفاقم أعراض الربو. كما يؤدي كثرة السعال نتيجة الإصابة بالربو إلى حدوث تغيرات في منطقة الصدر والبطن، مما ينتج عنه تفاقم أعراض ارتجاع المريء.
مشاكل الأسنان:
يسبب كثرة تراجع حمض المعدة الشديد إلى الفم إلى تآكل مينا الأسنان، وفقدانها، و ظهور رائحة كريهة في الفم.
تشخيص ارتجاع المريء
يعتبر ارتجاع المريء مرضاً مزمناً حيث يضعف الصمام بين المريء والمعدة، مما يتسبب عنه ارتجاع محتويات المعدة شديدة الحموضة إلى المريء بشكل متكرر. يؤدي تراجع الحمض بكميات كبيرة إلى المرئ إلى حدوث التهاب وتآكل لخلايا وأنسجة المرىء بمرور الوقت. يتم تشخيص ارتجاع المرئ بالطرق التالية:
١.تنظير باطني:
يخضع المريض إلى التخدير، ويقوم الطبيب بإدخال المنظار عن طريق الفم وتصوير أنسجة المريء. يستطيع الطبيب باستخدام المنظار أخذ عينات من الأجزاء المصابة في جدار المريء، والقيام بتحليلها لتقييم مدى تأثرها، أو تحولها إلى أورام سرطانية.
٢. إسفنجة المريء:
في عيادة الطبيب ، يقوم المريض ببلع كبسولة متصلة بسلسلة تذوب في المعدة متحولة إلى إسفنجة. تُسحب تلك الإسفنجة من قِبل الطبيب عبر المرىء لكي تعلق بها بعض أنسجة المريء الملتهبة حتى يفحصها الطبيب. يستخدم بعض الأطباء تلك الطريقة لتحديد حالة المريء دون استخدام مناظير الجهاز الهضمي.
٣. الأشعة السينية باستخدام الباريوم:
تستخدم الأشعة السينية باستخدام الباريوم لتصوير حالة المريء. يتم هذا الإجراء عن طريق شرب المريض لمحلول يحتوي على مادة الباريوم، والتي تصبغ بدورها أنسجة المرىء مما يسهل تصويره.
٤. الاختبارات المخبرية
يتم أخذ عينات من أنسجة المريء باستخدام المنظار، ويتم تحليلها داخل مختبرات تحليل الأنسجة لتحديد مدى تغير خلايا المرىء واحتمالية الإصابة بالسرطان، والكشف أيضاً عن وجود أي نوع من أنواع العدوى في المريء.
٥. اختبارات تحديد مستوى الحمض في المريء أثناء النوم والوجبات وخلال اليوم أيضاً لمتابعة التغيرات التي تطرأ عليه.
طرق علاج ارتجاع المرىء
تحدد نوعية الإصابة وحالة المريء استراتيجية العلاج، حيث يهدف العلاج إلى تخفيف شكوى المريض والوقوف على سبب ارتجاع المرىء. يشمل علاج ارتجاع المرىء شقين أساسيين هما العلاج الدوائي، وتغيير نمط الحياة.
العلاج الدوائي:
١. أدوية تصرف بدون وصفة طبية، وهي مضادات الحموضة التي تعمل علي تخفيف أعراض زيادة حمض المعدة وارتجاع المريء.
٢. أدوية تصرف بوصفة طبية، ومنها مضادات H2 مثل مادة الفاموتيدين،ومثبطات مضخة البروتون مثل مادة الأوميبرازول.
٣. الجراحة والتي يضطر إليها الأطباء في حالة عدم استجابة المريض للعلاج الدوائي، وتسمي عملية تثنية القاع ويتم في تلك الجراحة لف جزء من المعدة حول الصمام الذي يفصل بين المعدة والمريء ويعمل ذلك على تقوية عضلة هذا الصمام لمنع ارتجاع حمض المعدة إلى المريء.
وتوجد جراحات أخرى يتم فيها وضع حلقة من خرزات التيتانيوم الممغنطة حول عضلة الصمام الموجود بين المريء والمعدة لمنع الحمض من الارتداد إلى المريء.
علاج المضاعفات الأكثر شيوعاً
عندما يضيق المريء بصورة شديدة، ويعلق الطعام داخله، ويُمنع مروره إلى المعدة يتدخل الطبيب بواسطة منظار يحتوي على مقدمة دائرية الشكل و بالون يتم نفخه حتى يتسع قطر المريء، مما يتيح للمريض القدرة على بلع الطعام بطريقة صحيحة.
نمط الحياة والعلاجات المنزلية
يستطيع مريض ارتجاع المرىء أن يخفف من الأعراض التي يشكو منها عن طريق اتباع ما يلي:
- تحديد نوعية الطعام والشراب التي تزيد من التهاب وارتجاع المرىء مثل الوجبات الدسمة والكبيرة، والشوكولاتة، والكحول، والمشروبات التي تحتوي على كافيين حيث يؤدي الكافيين إلى زيادة تنبيه المعدة لإفراز كميات أكبر من حمض المعدة.
- الإقلاع عن التدخين فهو يعد احد الاسباب المباشرة للإصابة بارتجاع المريء.
- عدم النوم مباشرة بعد تناول الطعام حتى لا تضغط كمية الطعام الموجودة بالمعدة علي عضلة الصمام بين المريء والمعدة مسببة ارتجاع محتويات المعدة نحو المريء.
- ممارسة الرياضة وإنقاص الوزن يقلل من تراكم دهون الأحشاء التي تضغط بدورها على المعدة.
- الابتعاد عن تناول الادوية غير الضرورية خصوصاً المسكنات.
- اثناء النوم يستطيع مريض ارتجاع المرىء أن يضع وسادة ترفع من مستوى ظهره ورأسه حتى تقاوم الجاذبية ارتجاع الحمض نحو المريء.
- ممارسة تمارين التنفس.
- تناول المشروبات التي تقلل من ارتجاع حامض المعدة.
- تقسيم الوجبات الكبيرة إلى وجبات صغيرة يتم تناولها على مدار اليوم، حيث يفضل تناول خمس وجبات صغيرة عن ثلاث وجبات كبيرة لتجنب حدوث الارتجاع.
ما الذي تتوقعه من طبيبك
يسأل الطبيب مريض ارتجاع المرىء بعض الأسئلة التي تساعده على توصيف حالة المريض، من أهمها ما يلي:
١. مدى شدة الحرقة التي يشعر بها.
٢.توقيت إحساس المريض بأعراض ارتجاع المريء.
٣. ارتباط الألم بنوعية طعام معينة، أو أدوية معينة.
٤. صعوبة بلع الطعام، والشعور بألم أثناء البلع.
٥. نوعية العلاجات والأدوية التي يستخدمها المريض في تخفيف أعراض الارتجاع، ومدى استجابته لها.
٦. وجود تاريخ مرضي في العائلة لارتجاع المرىء.
كيف يمكن الوقاية من ارتجاع المرىء؟
يجب على الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بارتجاع المرئ أن يبتعدوا عن كل من تناول الأطعمة الدسمة، والوجبات الكبيرة، والإقلاع عن التدخين، والامتناع عن تناول المسكنات إلا عند الضرورة القصوى، وتجنب تناول الكحوليات والمشروبات التي تحتوي على الكافيين، وتجنب النوم مباشرة بعد تناول الطعام والالتزام بالأدوية الموصوفة من قِبل الطبيب.
تستطيع من خلال اتباع تلك النصائح والالتزام بها أن تقي نفسك من الإصابة بارتجاع المريء، أو إذا تأكدت إصابتك فعلياً فيمكنك من خلال تلك النصائح العيش حياة مستقرة، والحد من أعراض ارتجاع المرئ الشديدة، وتجنب حدوث مضاعفاته.
